فصل: الفصل السابع في مقاصد المكاتبات

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: صبح الأعشى في كتابة الإنشا **


  الفصل السابع من الباب الثاني من المقالة الرابعة في مقاصد المكاتبات

وهي الأمور التي تكتب المكاتبات بسببها وهي الجزء الأعظم من صناعة الترسل وعليها مدار الكتابة إذ الولايات من مقاصد المكاتبات وهي أهم ما تضع به الكاتب وألزم ما مهر فيه وهي قسمان القسم الأول مقاصد المكاتبات السلطانيات وهي على نوعين النوع الأول ما يكتب عن الخلفاء والملوك وهو على ثلاثة أضراب الضرب الأول ما يكتب عن الخلفاء والملوك ومن ضاهاهم مما هو مستعمل الآن مما كان عليه الحال في الزمن القديم مما يقل ويكثر تداولها ويتكرر تداوله في الكتابة وسائر المكاتبات في الحوادث المألوفة التي يكثر تداولها وتتكرر الكتابة فيها بتكرر وقائعها وما رسم الكتابة به باق إلى زماننا وإن تغير مصطلح الأبتداء والخطاب وغيرهما من رسوم المكاتبات‏.‏

وهو على أصناف الصنف الأول الكتب بانتقال الخلافة إلى الخليفة قال في مواد البيان‏:‏ جرت العادة أن تنفذ الكتب إلى ولاة الأعمال في مثل هذه الحالة متضمنة ما جرى عليه الأمر بالحضرة من انقياد الأولياء والرعايا إلى الطاعة ودخولهم في البيعة بصدور منشرحة وحض من الأعمال من رجال السلطان ورعيته على الدخول فيما دخل فيه أمثالهم وإعطاء الرعايا على لك صفقة أيمانهم‏.‏

وقد كان الرسم فيها أن يصدر بحمد الله تعالى على عوارفه التي لم تزل تكشف الخطب وترأب الشعب وتدفع المهم وترفع الملم وتجير الوهن وتسبغ الأمن والصلاة على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وذكر خصائصه ومناقبه وتشريف الله تعالى له بإقرار الإقامة في أقاربه وتخصصها ببني عمه الذين هم أحق الناس به وما أمر الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم من طلب مودته من الأمة بقوله جل من قائل‏:‏ ‏"‏ قل لا أسألكم عليه أجراً إلا مودة في القربى ‏"‏ وما أشار إليه صلى الله عليه وسلم من بقاء الخلافة فيهم بقوله لعمه العباس‏:‏ ‏"‏ ألا أبشركم يا عم بي ختمت النبوة وبولدك تختم الخلافة‏:‏ وما يجري مجرى ذلك‏.‏

ثم يتلو ذلك بالإفصاح عن شرف الخلافة وفضلها والإبانة عن رفيع مكانها ومحلها وأنها ظل الله الممدود وحبله المشدود ومساك الدين ونظامه وملاك الحق وقوامه وامتنان الله تعالى على العباد بأن جعل فيهم أئمة يقسطون العدل عليهم ويقيمون الحدود فيهم ويقيمون أديانهم ويهذبون إيمانهم ويرهفون بصائرهم ويهدون حائرهم ويكفون ظلومهم وينصفون مظلومهم ويجمعون كلمتهم ويحمون ذمارهم ويحيطون ديارهم وما يجري مجرى ذلك‏.‏

ثم يذكر ما أوجبه الله تعالى على أهل الإسلام للإمام من الطاعة محسن التباعة أيام حياته والانقياد لأمره في طاعة من ينص عليه في القيام مقامه بعد وفاته ليتصل حبل الإمامة بينهم ويمتد ظل الخلافة عليهم فإن كان قد تلقى الخلافة بعهده عن خليفة قد مات من أب أو غيره أتى بمقدمة ذكر الموت وأن الله تعالى سوى فيه بين بريته وجعل في طريقه إلى رسوله أسوة لخليقته وتفر بالبقاء وامتنع عن الفناء ثم يقال‏:‏ وإن الله تعالى لما اختار لعبده ووليه فلان النقلة إلى دار كرامته والحلول بفناء طاعته وأعانه على سياسة بريته وأنهضه بما حمله وأيده فيما كفله من الذب عن المسلمين والمراعاة في الدين والعمل بكتابه وسنته في القول والفعل واستشعار خيفته ومراقبته في السر والجهر وما يليق بهذا استخلص عبده ووليه فلاناً الإمام الفلاني لخلافته وأهمى سماء الرحمة بغمامته وأحل عزيز النصر بولايته وألقى في تنفيس رأيه النص عليه والتفويض إليه لما علم سبحانه في ذلك من شمول المصلحة للعباد وعموم الأمنة للبلاد فأمضى قدس الله روحه وما ألهمه وكمله قبل خروجه من ديار الدنيا وتممه عالماً بفصل اختياره وإنه يمل به الهوى في إثارة فقام أمير المؤمنين الإمام الفلاني مقامه وحفظ نظامه وسد ثلمته وعفى رزيته وأقر الله تعالى الإمامة به في نصابها ومقرها وزاد باستخلافه في صيت الخلافة وقدرها‏.‏

وأمير المؤمنين يسأل الله تعالى أن يخص وليه السعيد بقربه بأفضل صلواته وأشرف تحياته ويحسن جزاءه في سعيه في صلاح العباد وسداد البلاد وأن يلهم أمير المؤمنين الصبر على تجرع الرزية فيه ويجزيه أفضل ما جزى به صابراً محتسباً وأن يجبر كسره في فقده ويوفقه لجميل العزاء من بعده ويسدده في مصادره وموارده ويهديه لما يرضيه في جميع مقاصده ويعينه على تأليف الأهواء وجمع الآراء ونظم الشمل وكف القتال وإرخاء الظل‏.‏

وكتاب أمير المؤمنين هذا إليك وقد اجتمع من بحضرته من ذوي جهته وأمراء دولته وكافة جنده وجماعة حوزته على بيعته وإعطائه صفقة أيمانهم على طاعته ومشايعته عن صدور مخلصة نقية وسرائر صافية سليمة وعقائد مشتملة على الوفاء بما عقدوا عليه وانقادوا مختارين إليه وشملتهم بذلك الرحمة وضفت عليهم النعمة فما برحوا الرزية حتى فرحوا بالعطية ولا وجموا للمصيبة حتى بسموا للرغيبة ولا اظلموا لفقد الماضي حتى أضاء الوجود بالآتي‏.‏

فلله الحمد على هذه النعمة التي جبرت الوهن وحققت في فضله المن حمداً يستدر اختلاف فضله ويستدعي سابغ طوله وصلى الله على محمد وآله وأمير المؤمنين يراك من أهل مخالصته والمتحققين بطاعته وهو يأمرك أن تأخذ البيعة له على نفسك وعلى جميع أوليائه المقيمين قبلك وكافة رعاياه الذين هم في عملك وتشعرهم بما عنده للمسارعين لطاعته المبادرين إلى اتباعه من تيسير الإنصاف والعدل وإضافة الإحسان والفضل وما لمن نكب عن الطريقة المثلى وحاد عن الأولى من الكف الرادع والأدب الوازع ويتوسع في هذا المعنى توسعاً يشرح صدور أهل السلامة المستمرين على نهج الاستقامة ويردع أهل الفساد ويغض من نواظر ذوي العناد ويحلي الكتاب بآيات من القرآن الكريم تحسن استعارتها في باب العزاء ويليق ذكرها في باب الإشادة بالخلافة والخلفاء‏.‏

فإن كان الكتاب مما يقرأ بالحضرة قال في موضع وكتاب أمير المؤمنين إليك‏:‏ وأنتم معاشر أقارب أمير المؤمنين من إخوته وبني عمه وخواص الدولة وأمرائها وأجنادها وكتابها وقضائها وكافة رعيتها ومن اشتمل عليه ظل مملكتها أحق من حافظ على عوارف أمير المؤمنين واعتد بلطائفه وقام بشكر نعمته وسارع إلى اتباعه واعتصم بحبل دعوته فاجتمعوا على متابعته وإعطائه صفقة أيمانكم على مبايعته ليجمع الله على التأليف كلمتكم ويحمي بالتأزر بيضتكم وينبع ذلك من وعد أهل الطاعة بما يضاعف جدودهم ومن وعيد أهل المعصية بما يصفر خدودهم على نسف ما سبق في الترتيب‏.‏

وهذه نسخة كتاب في المعنى كتب به عن الآمر بأحكام الله تعالى عند استقراره في الخلافة بعد أبيه المستعلي بالله والدولة مشتملة على وزير من إنشاء ابن الصيرفي وهي‏:‏ الحمد لله المتوحد بالبقاء القاضي على عباده بالفناء الذي تمجد بالأزلة والقدم وتفرد بالوجود وتنزه عن العدم وجعل الموت حتماً مقضياً على جميع الأمم‏.‏

يحمده أمير المؤمنين على ما خصه به من الإقامة التي قمصه سربالها وورثه فخرها وجمالها حمد شاكر على جزيل العطية صابر على جليل الرزية مسلم إليه في الحكم والقضية ويسأله أن يصلي على جده محمد الذي ثبتت حجته ووضحت محجته وعلت كلمته وأنافت على درج الأنبياء درجته صلى الله عليه وعلى أخيه وابن عمه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب الذي جعل الله الإمامة كلمة في عقبه باقية وحبه جنة يوم الفزع الأكبر واقية وعلى الأئمة من ذريتهما الطاهرين صلاة دائمة إلى يوم الدين‏.‏

وإن الإمام المستعلي بالله أمير المؤمنين قدس الله روحه وصلى عليه كان من أوليائه الذين اصطفاهم لخلافته في الأرض وجعل إليهم أزمة البسط والقبض وقام من أوق الإمامة ولم يزل عاملاً بمرضاة الله إلى أن نقله إلى دار المقامة فإنا لله وإنا إليه راجعون‏.‏

رضاً بقضائه وصبراً على بلائه وإجزال حظه عليه من الأجر والثواب وإمداده في خلافته بمواد الإرشاد والصواب بكرمه‏.‏

وكتاب أمير المؤمنين يوم كذا من الشهر الفلاني من سنة كذا بعد أم جلس للحاضرين بحضرته من الأمراء عمومته وأوليائه وخدم دولته وسائر أجناده وعبيد مملكته وعامة شيعته وأصناف رعيته وأنوار الخلافة عليه مشرقة وأغصان الإمامة مثمرة مورقة والسيد الأجل الأفضل الذي أمده الله في نصرة الدولة العلوية بالتأييد والإظهار وأبان به برهان الإمامة الآمرية فوضحت أنوارها للبصائر والأبصار وشهر له من المناقب ما سار مسير الشمس في جميع الأقطار يتولى الأمر بحضرته تولي الكافل الزعيم ويباشر النظر في بيعته مباشرة القسيم الحميم والناس داخلون في البيعة بانشراح صدور وإظهار ابتهاج وسرور يعطون صفقة أيمانهم ويعلمون ما لهم من الحظ في طاعة إمام زمانهم قد تحققوا شمول السعد وعموم الرشاد وتيقنوا الخيرة لهم في العاجلة والمعاد وأمير المؤمنين يعزيك ومن قبلك من أولياء دولته وسائر رعيته عن المعصية في الإمام المستعلي بالله صلى الله عليه التي قطعت من النفوس أملها وأسكنت الألباب جزعاً وولهاً ويهنيك وإياهم دولته التي تهلل لها وجه الزمان واستهلت بها سحائب الفضل والإحسان‏.‏

وأمير المؤمنين يحمد الله الذي أقر الحق في منصبه وأفرده بما كان والده الإمام المستعلي بالله أفرد به‏.‏

فاعلم ما أعلمك أمير المؤمنين من هذا الخطب الجسيم والنبأ العظيم واشكر الله على ما جدده لك ولكافة المسلمين من نعمة بإمامة أمير المؤمنين التي أوفت بإساءة الزمان وجنايته وشفت من داء كلمه ونكايته وتقدم إلى الدعاء قبلك بأخذ البيعة على نفسك وعلى كافة من في ولايتك واستحمد إلى أمير المؤمنين أنت وهم بالإخلاص في طاعته والاجتهاد في مناصحته والتمسك بعصم مشايعه لتنالوا في العاجلة حظاً جسيماً وتحرزاً في الآجلة أجراً كريماً‏:‏‏:‏ ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجراً عظيماً ‏"‏‏.‏

وطالع بالكائن منك بعد قراءة كتاب أمير المؤمنين على الحاضرين قبلك وإذاعته في الواردين عليك والمستوطنين عملك ليحمدوا الله على ما أنالهم بخلافة أمير المؤمنين من جميل الصنع العائد على العباد وصلاح البلاد وكتب في اليوم المذكور‏.‏

وهذه نسخة كتاب من الآمر بأحكام الله المقدم ذكره كتب إلى الولاة الأطراف بعد قراءة عهده أما بعد فالحمد لله مولي المنائح من نعمه ومجزل العطايا من مواهبه وقسمه ومعود الصنع الجميل من لطفه وكرمه الذي له الحكم الظاهر عدله ولديه الطول الفائض فضله وعنده مفاتح الغيب وإليه يرجع الأمر كله‏.‏

يحمده أمير المؤمنين على ما أفرده به من سني المواهب ونظمه له من عقود المناقب ونقله إليه من تراث آبائه الكرام الذين جلا ضياؤهم ظلام الغياهب وتزينت بهم الأرض تزين السماء الدنيا بزينة الكواكب ويسأله أن يصلي على جده محمد الذي نشر الله به الرحمة وكشف الغمة وأنقذ الأمة صلى الله عليه وعلى أخيه وابن عمه علي بن أبي طالب أمير المؤمنين والمذكور في زبر الأولين وعلى الصفوة من ذريتهما الهداة الراشدين صلاة باقية إلى يوم الدين‏.‏

وإن النعم تتفاضل أقدارها بحسب مواقعها وتتفاوت أخطارها بقدر مواضعها ومن ألطفها مكاناً وأشرفها محلاً وشاناً وأولاها بأن تستنطق به الأقلام وأحقها بأن يتناقل ذكرها الخاص والعام ما خص الله به أمير المؤمنين من المنن الظاهرة وتولاه من المنح المتظاهرة وأصاره إليه من الخلافة في أرضه واستخلفه عليه من القيام بسنن دينه وفرضه واسترعاه إياه من حياطة بلاده وأوجبه من طاعته على كافة خلقه وعباده وذخره لدولته من كفيله وخليله ومقيم أدلة حقه وموضح سبيله السيد الأجل الأفضل الذي ارتضاه الله للذب عن الإسلام وانتضاه لنصرة إمام بعد إمام وشهر مناقبه في كل موقف ومقام وخصه بفضائل لم تر مجتمعة لملك من ملوك الإسلام لا جرم أن أمير المؤمنين قد أحله منه محل الروح من الجسد والوالد من الولد وفوض الأمور إليه تفويض معول على يمن نقيبته معتمد مبالغ في حسن الاختيار للأمة مجتهد ويجازيه عن تشييد مملكته أحسن ما جرى به مخلصاً جمع في الإيمان بين القول والعمل بكرمه‏.‏

ولما وقف أمير المؤمنين بما طالعه به السيد الأجل الأفضل عند مثوله بحضرته وإنهائه الأمر دولته وأحوال مملكته على أمرك الذي استحمده في الخدمة واستحقت به إضافة الإحسان وإسباغ النعمة وأن لك في الدولتين المستنصرية والمستعلية من الخدمة المشكورة والمساعي المبرورة ما يدل على مناصحتك وإخلاصك ويبعث على اصطناعك واستخلاصك أمر بكتب هذا السجل لك مؤكداً لأواخيك ومعرباً عن رأيه الجميل فيك مجدداً من ولايتك ومجرباً لك فيها على مستمر رسمك ومستقر عادتك‏.‏

فقابل نعمة أمير المؤمنين من الإخلاص في طاعته بما يربطها ووفها من حق الاجتهاد ما يقرها عندك ويثبطها واجعل تقوى الله تعالى عمادك واطو عليها طويتك واعتقادك وكمن في نفوس الأولياء جميل رأي أمير المؤمنين فيهم وإحماده لمواقفهم في الخدمة ومساعيهم وحقق عند كافة المستقرين لديك والواردين عليك ما يكنفون بع من الأمر الشامل ويغمرون به من حسن النظر المتواصل واجر على العادة المألوفة في إفاضة العدل والإنصاف وتنكب سبيل الجور والإجحاف ومهد السبيل قبلك واحم من أسباب الفساد ولايتك وعملك واخصص متولي الحكم والدعوة الهادية - ثبتها الله تعالى - بالإعزاز والرعاية ووفر حظهم من الملاحظة والعناية وخذ المستخدم في الخطبة العلوية بإقامتها في أوقاتها على أفضل قوانينها وواجباتها معلناً فيها بذكر أمير المؤمنين الذي يتوج فروق المنابر ويشنف أسماع البوادي والحواضر وتوفر على ما ثمر الأموال وأنمائها وغزرها ورخاها وقضى بوفورها ومواصلة حمولها وانظر في أمر الرجال المستخدمين معك نظراً يؤدي إلى مصلحتهم فاعلم هذا من أمير المؤمنين واغتبط بما أصاره الله إليه اغتباط أمثالك من المخلصين واعتقد طاعته اعتقاد من يجاريه من أهل اليقين واعمل بوصاياه ومراشده تحظ في الدنيا والدين وطالع بالكائن منك بعد قراءة هذا السجل على كافة الناس أجمعين وكتب كذا وكذا‏.‏

والعم أن العادة جارية بينهم أنه إذا كتب كتاب عن خليفة بانتقال الخلافة إليه يكتب ملطف عن وزير يلف كتاب الخليفة ضمنه ويوجه به إلى حيث المقصد‏.‏

وهذه نسخة ملطف في هذا المعنى كتب به عن وزير في الدولة الفاطمية ليلف كتاب الخليفة طيه وهو‏:‏ ينطوي هذا الأمر الوارد على الأمير على كتاب مولانا الإمام الفلاني لدين الله أمير المؤمنين صلوات الله عليه وعلى آبائه الطاهرين وأبنائه الأكرمين أو‏:‏ أبنائه المنتظرين إن كان لا ولد له بما اصاره إليه من شرف الإمامة وبوأه إياه من مقام العظمة والكرامة إثر انتقال الإمام فلان أمير المؤمنين - قدس الله روحه - إلى جوار ربه‏.‏

فاعتمد العمل بمضمونه في أخذ البيعة على نفسك ومن يليك وتلاوته إلى رؤوس الأشهاد وإذاعة مكنونه في الحاضر والباد على رسم المعتاد فاعلم هذا واعمل به إن شاء الله تعالى‏.‏

قلت‏:‏ وهذا المعنى في الكتابة بانتقال الخلافة إلى الخليفة جار في زماننا بانتقال السلطنة إلى السلطان ويعبر عن ذلك بجلوسه على تخت الملك والأمر على ما تقدم في الخلافة من العتزية بالماضي والتهنئة بالمستقر ونحو ذلك مما يجري مجراه‏.‏

وهذه النسخة مكاتبة بالبشارة بجلوس الملك صالح ابن الملك الناصر محمد قلاوون تحت التخت في شهر رجب الفرد سنة اثنتين وخمسين وسبعمائة وبعد خلع الملك الناصر حسن وصورتها بعد الصدر والألقاب‏:‏ وأورد عليه من البشائر أسنى البشر وأسمعه من التهاني ما انتشى حديثه بين البرايا وانتشر وحفظ عليه وعلى الأمة ما أراد لهم من الخير وولى عليهم خيارهم وجعل مليكهم صالح البشر‏.‏

صدرت هذه المكاتبة إلى فلان وبصريها مقدماً بالظفر وذكرها قد ملأ الأقطار فجمع عليه كل قلب كان قد نفر تهتدي إليه سلاماً عن وجه الشكر سفر وثناء يحصل منه على النصيب الأوفر وتوضح لعلمه أن الجنايات العالية الأمراء الأكابر أمراء الدولة الشريفة ضاعف الله نعمتهم كانوا قد عظموا أخانا الناصر وحكموه ومشوا إلى خدمته على أحسن سنن وما أبقوا في خدمته ممكناً من التعظيم والإجلال والتحكيم وامتثال الأمر في كل جليل وحقير فلم يرع لهم ذلك ولا ألتفت إلى ما لهم عليه من حقوق الخدمة واتفق مع الصبيان وأراد القبض على الأمراء وإمساك الجنايات العالية الأمراء الأكابر والإيقاع بهم‏.‏

فلما تحققوا من ذلك اجتمعت الأمراء واتفقت الكلمة على خلعه من الملك الشريف وإقامتنا فخلع المشار إليه وكان جلوسنا على تخت الملك الشريف وكرسي السلطنة المعظمة في يوم الاثنين المبارك بحضور الإمام المعتضد بالله أمير المؤمنين أبي الفتح أبي بكر ابن الإمام المرحوم أمير المؤمنين أبي الربيع سليمان المستكفي بالله ومبايعته لنا وحضور المجالس العالية قضاة القضاة بالأبواب الشريفة أعز الله تعالى أحكامهم وحلف لنا أمراء الدولة الشريفة على جاري العادة في ذلك وضربت عند ذلك البشائر وشهد هذا الهناء كل باد وحاضر وتشنفت الأسماع وقرت الأعين واستقرت الخواطر وابتهجت بذلك الأمم وتباشرت بهذا السعد الذي كتب لنا من القدم وأصبح كل من أنصاره دولتنا الشريفة مبتهلاً بالدعاء مبتهجاً‏.‏

فليأخذ المقر حظه من هذه التهنئة وليذع خبرها لتكون المسار معيدة ومبدية ويتحقق ما له عندنا من المكانة والمحل الذي زان بالإقبال الشريف زمانه ويتقدم أمره الكريم بتهنئة المجالس العالية والسامية ومجالس الأمراء بالمملكة الفلانية ويتقدم أيضاً بضرب البشائر بالزينة على العادة‏.‏

وقد تجهز إلى الجناب العالي نسخة يمين شريفة يحلف عليها ويكتب خطه ويجهزها إلينا صحبة المجلس السامي الأمير الأجل الكبير العضد الذخري النصيري الأوحدي عضد الملوك والسلاطين يلبغا الحموي الصالحي أدام الله علوه المتوجه بهذا المثال الشريف وقد جهزنا نسخة يمين شريفة ليحلف عليها لنا الأمراء بطرابلس ويكتبوا خطوطهم ويجهزها إلينا على العادة صحبة المشار إليه‏.‏

وقد جهزنا للجناب العالي صحبة المشار إليه تشريفاً شريفاً كاملاً فيتقدم الجناب العالي بتسلمه منه ولبسه ويتحقق ما له عندنا من المكانة والمنزلة ويعيد الأمير سيف الدين يلبغا المشار إليه إلى الباب الشريف ويحيط علمه بذلك‏.‏

  الصنف الثاني من الكتب السلطانية

الكتب في الدعاء إلى الدين وهو من أهم المهمات قال في مواد البيان‏:‏ أشرفه ما ينشئه الكاتب الدعاء إلى دين الإسلام الذي أظهره الله تعالى عىل كل دين وأعزه على كره المشركين واستجرار مخالفيه إليه واجتذاب الخارجين عن دائرته إلى الدخول فيه عملاً بما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم والخلفاء من بعده لأنه قوام الملك ونظام السلطان اللذان لا يصحان إلا به‏.‏

قال‏:‏ والكاتب يحتاج في إنشاء هذه الكتب إلى علم التوحيد وبراهينه وشرع الرسول صلى الله عليه وسلم خاصه وعامه ومعجزاته وآيات نبوته ليتوسع في الإبانة من ظهور حجته ووضوح محجته‏.‏

ثم قال‏:‏ والرسم فيها أن تفتتح بحمد الله الذي اختار دين الإسلام فأعلاه وأظهره وقدسه وطهره وجعله سبيلاً إلى رضاه وكرامته وطريقاً إلى الزلفى في جنته وشفيعاً لا يقبل عمل عامل إلا به وباباً لا يصل واصل إلا منه فلا يغفر السيئات إلا لمن اعتصم بحبله ولا تتقبل الحسنات إلا من أهله وشكره تعالى على الهداية إليه والتوفيق عليه وذيادته عن مجاهل الضلالة بما أوضحه من برهانه ونوره من تبيانه وتمجيده من تعظيم آياته وباهر معجزاته وحكيم صنعته وبديع فطرته وتنزيهه عما لا يليق بسلطانه ولا يجوز إضافته إلى عظيم شانه وتسبيحه عما يصفه به الملحدون ويختلقه الجاحدون والصلاة على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم والإفصاح عن دلائل نبوته وبراهين رسالته وما خصه الله تعالى به من إعلاء ثم يتبع ذلك بالدعاء إلى الدين والحض عليه وإيضاح ما في التمسك به من الرشاد في داري المبدأ والمعاد والتبشير بما وعد الله به المستجيبين له والداخلين فيه ومن تمحيض السيئات ومضاعفة الحسنات وعز الدنيا وفوز الآخرة والإنذار بما وعد الله به الناكبين عم سبيله العادلين عن دليله من الإذلال في هذه الدار والتخليد بعد العرض عليه في النار وتصريف المخالفين بين الرغبة والرهبة في العاجل والمغبة‏.‏

قال‏:‏ وينبغي أن يتأنى الكاتب فيما يورده من هذه الأغراض ليقع في المواقع اللائقة به ويجلو الحجج في أحسن المعاريض ويفصح عنها بأقرب الألفاظ من النفوس فإنه إذا وفق لذلك ناب كتابه مناب الجيوش والأجناد وأقر السيوف في الأغماد ثم قال‏:‏ ومن صدقت في هذا الفن رغبته أيد الله تعالى غريزته وعضد بديهته ورويته‏.‏

قلت‏:‏ وهذا الصنف من المكاتبات السلطانية قد بطل في زماننا فلم يعهد أم ملكاً من الملوك كتب إلى بلاد الكفر بالدعاية إلى الدين إذ مثل ذلك إنما يصدر مع الغلبة والقوة والقهر كما كان الخلفاء في الزمن المتقدم والكفر مقهور معهم مذلول لديهم‏.‏

أما الآن فلولا ما أخبر به صلى الله عليه وسلم بقوله‏:‏ ‏"‏ ونصرت بالرعب مسيرة شهر ‏"‏ وفي رواية‏:‏ ‏"‏ ونصرت أمتي ‏"‏ لاجتاح أهل الكفر الإسلام ولكن الله وعد دينه أن لا يخذل‏.‏

قال في مواد البيان‏:‏ كما أن الدين ينتظم بالدعاء إليه والترغيب فيه كذلك ينتظم بصيانة جوزته وما دخل في مملكته وكف أعدائه عن تنقص أطرافه والتغلب على بلاده‏.‏

ولهذا الغرض فرض الله تعالى الجهاد وأوجبه وأكد الأمر فيه وشدده والسلطان يحتاج عند الحوادث التي تحدث من تطرق المخالفين إلى بعض الثغور أو شن الغارة على أهل الإسلام أن يدعو إلى الجهاد ومقارعة الأعداء وصون حريم الملة وحفظ نظام الدولة‏.‏

ثم ذكر أن الرسم فيها أن تفتتح بحمد الله تعالى على جميل صنعه على إعزاز الكلمة وإسباغ التعنة باظهار هذه الملة وما وعد الله به من نصر أوليائه وخذلان أعدائه وإدالة الموحدين وإذالة الملحدين والصلاة على سوله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وذكر طرف من مواقفه في الجهاد ومقارعته لشيع الإلحاد وتأييد الله تعالى على أهل العناد ثم يذكر الحادثة بنصها ويشرح القصة على فصها ويندب من جاوره ودناه من أهل الملة أجمعين ويخاطبهم بما يرهف عزائمهم في نصرة الدين وكافة المسلمين واتباع سبيل السلف الصالحين الذين خصهم الله تعالى بصدق الضمائر ونفاذ البصائر وصحة الدين ووثاقة اليقين فم يكونوا ليرموا مراماً إلا سهل لهم ما توعر ويسر عليهم ما تعسر وسما بهم ما هو أقصى منه مرمى وأبعد مدى وأن يحضهم على التمسك بعزائم الدين والعمل على بصائر المخلصين وافتراض ما فرض الله عليهم أعدائه وتنجيز ما وعدهم به من الإظفار بهم والإظهار عليهم وأن يجاهدوا مستنصرين ويؤدوا الحق محتسبين ويقدموا رسلاً لا ناكصين ولا شاكرين ولا مرتابين متبعين الحق حيث يمم وقصد ومضاربين دونه من صد عنه وعند ويبالغ في تنخية أهل البسالة والنجدة والبأس والشدة ويبعثهم على نصر حقهم وطاعة خالقهم والفوز بدرك الثواب والرضوان وتنور البصائر في الإيمان وفضيله الأنف من الضيم والبعد من الذيم إلى غير هذا مما يعدل الأرواح والمهج والإقدام على مصارع التلف‏.‏

فإن الملوك الماضين لعلمهم بأن الناس إنما يجودون بذلك للفوائد التي توجبه كانوا يبذلون لمن يدعونه إلى المكافحة ويعرضونه للمذابحة الرغائب التي تهون عليهم إلقاء نفوسهم في المهالك تارة ويذكرونهم الأحقاد والضغائن‏.‏

ويخوفونهم من الوقوع من الوقوع في المذلة أخرى‏.‏

ثم قال‏:‏ وينبغي للكاتب أن يقدم في هذه الكتب مقدمات يرتبها على ترتيب يهز الأريحات ويشحذ العزائم ليجمع بين خدمة سلطانه والفوز بنصيب من الأجر‏.‏

قلت‏:‏ وهذا الصنف من المكاتبات السلطانية مستمر الحكم إلى زماننا‏.‏

فما زالت الملوك يكتبون إلى ما يليهم بالحث على الجهاد والقيام بأوامره والحض على ملاقاة العدو والأخذ بنصرة الدين‏.‏

وقد تقدم في الكلام على مقدمات المكاتبات في أول هذه المقالة أن الشيخ شهاب الدين محموداً الحلبي ذكر في حسن التوسل أنه إذا كتب الملك في أوقات حركات العدو إلى أهل الثغور يعلمهم بالحركة للقاء عدوهم أنه يبسط القول في وصف العزائم وقوة المهم وشدة الحمية للدين وكثرة العساكر والجيوش والوثوق بعوائد الله في الظفر وتقوية القلوب منهم وبسط آمالهم وحثهم على التيقظ وحضهم على حفظ ما بأيديهم من ذلك وما أشبه‏.‏

وأنه يبرز ذلك في أبين كلام وأجله وأمكنه وأقربه من القوة والبسالة وأبعد من اللين والرقة ويبالغ في وصف الإنابة إلى الله تعالى واستنزال نصره وتأييد الرجوع إليه في تثبيت الأقدام والاعتصام به في الصبر والاستعانة به على العدو دون التصريح بسؤال بطلان حركتهم ورجاء تأخيرهم وانتظار العرضيات في تخلفهم لما في ذلك من إيهام الضعف عن لقائهم واستشعار الوهن والخوف منهم وأن زيادة البسط ونقصها في ذلك بحسب المكتوب إليه‏.‏

وهذه نسخة مكاتبة من ذلك السلطان إلى بعض نواب الثغور من إنشاء الشيخ شهاب الدين محمود الحلبي أوردها في حسن التوسل وهي‏:‏ أصدرناها ومنادي النصر قد أعلن بياخيل الله اركبي ويا ملائكة الرحمن اصحبي ويا وفود الظفر والتأييد اقربي والعزائم قد ركضت على سوابق الركض إلى العدا والهمم قد نهضت إلى عدو الإسلام فلو كان في مطلع الشمس لاستقربت ما بينها وبينه من المدى والسيوف قد أنفت من الغمود فكادت تنفر من قربها والأسنة قد ظمئت إلى موارد القلوب فتشوفت إلى الارتواء من قلبها والكماة قد زأرت كالليوث إذا دنت فرائسها والجياد قد مرحت لما عودتها من الانتعال بجماجم الأبطال فوارسها والجيوش قد كاثرت النجوم أعدادها وسار بها للهجوم للدين نار غضبها وعداها حر الإشفاق على ثغور المسلمين عن برد الثغور وطيب شنبها والنصر قد أشرقت الوجود دلائله والتأييد قد ظهرت على الوجوه مخايله وحسن اليقين بالله إعزاز دينه قد أنبأت بحسن المآل أوائله والألسن باستنزال نصر الله لهجة والأرجاء بأرواح القبول أرجة والقلوب بعوائد لطف الله بهذه الأمة مبتهجة والحماة وما منهم إلا من استظهر بإمكان قوته وقوة إمكانه والأبطال وليس فيهم من يسأل عن عدد عدوه بل عن مكانه والنيات على طلب عدو الله حيث كان مجتمعة والخواطر مطمئنة بكونها مع الله بصدقها وكان مع الله كان الله معه وما بقي إلا طي المراحل والنزول على أطراف الثغور نزول الغيث على البد الماحل والإحاطة بعدو الله من كل جانب وإنزال نفوسهم على حكم الأمرين الآخرين من عذاب واصب وهم ناصب وإحالة وجودهم إلى العدم وإجالة الشيوف التي إن أنكرتها أعناقهم فما بالعهد من قدم واصطلامهم على ما بأيدي العصابة المؤيدة بنصر الله في حربها وابتلاؤهم من حملاتها بريح عاد التي تدمر كل شيء بأمر ربها فليكن مترقباً طلوع طلائعها عليه متيقناً من كرم الله استئصال عدوه الذي إن فر أدركه من ورائه وإن ثبت أخذته من بين يديه وليجتهد في حفظ ما قبله من الأطراف وضمها وجمع سوائم الرعايا من الأماكن المخوفة ولمهان وإصلاح ما يحتاج إلى إصلاحه من مسالك الأرباض المتطرفة ورمها فإن الاحتياط على كل حال من آكد المصالح الإسلامية وأهمها فكأنه بالعدو وقد زال طعمه وزاد ظلمه وذم عقبى مسيره وتحقق سوء منقلبه ومصيره وتبرأ منه الشيطان الذي دلاه بغروره وأصبح لحمه موزعاً بين ذئاب الفلا وضباعها وبين عقبان الجو ونسوره ثقة من وعد الله وتمسكاً منه باليقين وتحققاً أن الله ينصر من ينصره والعاقبة للمتقين‏.‏

وهذه نسخة مرسوم كريم في المعنى بل هو أصرح في ذلك ما قبله كتب به عند ظهور الفرنج اللوسارية والشوال بالبحر من إنشاء الشيخ بدر الدين بن حبيب الحلبي وهو وإن لم يكن عن السلطان فإنه في معناه ولقيام النائب بالمملكة قيام السلطان الذي استنابه وهو‏:‏ المرسوم بالأمر العالي أعلاه الله تعالى ولا زالت مراسمه النافذة تبلغ أهل العصابة المحمدية غاية الآمال وأوامره المطاعة تفضي بكسر اللوسارية وشين الشوال أن تتقدم العساكر المنصورة بالمملكة الطرابلسية أيد الله تعالى عزائمهم القاهرة وأذل بسيوفهم الطائفة الكافرة بارتداء ملابس الجهاد والتحلي بمرارة الصبر على اجتلاء الجلاد وأن يجيبوا داعي الدين ويكفوا أيدي المعتدين ويفرقوا سهامهم ويجعلوا التقوى أمامهم ويشرعوا رماحهم ويحملوا سلاحهم ويومضوا بروق السيوف ويرسلوا نبال الحتوف ويهدموا بنيان الكفار ويطلعوا أهلة القسي بمد الأوتار ويهضموا جانب أهل العناد ويقابلوا البحر بملء بحر من الجياد ويناظروا أمواجه بأمواج النصال ويقاتلوا الفرقة الفرنجية أشد القتال ولا يهملوهم بالنهار ولا بالليل ويعدوا لهم ما استطاعوا من قوة ومن رباط الخيل فإذا استنفروا فلينفروا ويبالغوا في الغدو والرواح ليبلغوا الرعية من الأمن أمانيها‏.‏

فقد قال صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ لغدوة في سبيل الله أو روحة خير من الدنيا وما فيها ‏"‏‏.‏

ويعتمدوا على القريب المجيب ويجتهدوا في كسر أصلاب أهل الصليب وينافسوا في أمر الآخرة ويدعوا الدنيا ويقاتلوا لتكون كلمة الله هي العليا ويشهدوا المواقف ويبذلوا التالد والطارف وليبرز الفارس والراجل ويظهر الرماح والنابل فإن الجهاد سطوة الله تعالى على ذوي الفساد ونقمته القائمة على أهل الشرك والعناد وهو من الفروض الواجبة التي لم تزل سهام أصحابه صائبة فواظبوا على فعله ولا تذهبوا عن مذهبه وسبله واطلبوا أعداء الله براً وبحراً وقسموا بينهم الفتكات قتلاً وأسراً وفاجئوهم بمكروه الحرب وناجوهم برسائل الطعن والضرب وخذوا من الكفار باليمين وجدوا في تحصيل الربح الثمين ولازموا النزول بساحل البحر لمنازلة الطغاة والمشركين ‏"‏ يا أيها الذين آمنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم غلظة واعلموا أن الله مع المتقين ‏"‏ وسابقوا الأعنة وهزوا أعطاف الأسنة وشمروا عن سياق العزائم ولا تأخذكم في الله لومة لائم واتخذوا الخيام مساكن واجعلوا ظهور الخيل لكم مواطن وانصبوا الألوية والأعلام وأطفئوا جمرة الشرذمة الغائظة للإسلام ولا تخشوا من جميعهم الآئل إلى التفريق وحشدهم الذي هو عما قليل إن شاء الله تعالى غريق ولا تعبأوا بسفنهم البحرية فإن سفنكم الخيل المخلوقة من الرياح ولا تنظروا إلى مجاذيفهم الخشبية فإن مجاذيفكم السيوف والرماح فاقلعوا قلوعهم وشتتوا جموعهم وأذهبوا الجنف والحيف وخاطبوا بألسنة السيف وأوقدوا في قلوبهم بالتحصين والاحتراز ناراً وادعوا الله أن لا يذر على الأرض من الكافرين دياراً ونكسوا صليبهم المنصوب وبادروا إلى حرب حزبهم المغلوب وارفعوا باليقين شك هذه المحنة وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة واهجروا في ذات الله طيب المنام وانقلوا الأقدام إلى الأقدام واكشفوا عنكم أستار الملال والملام واهتموا بما يعلي كلمة الإسلام فليرفعنكم الله إلى منازل العز والتمييز ‏"‏ ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز ‏"‏‏.‏

الصنف الرابع من الكتب السلطانية الكتب في الحث على لزوم الطاعة وذم الخلاف قال في مواد البيان‏:‏ طاعة السلطان والانقياد إليه والرجوع إلى رأيه والاعتماد عليه أبدى الأسباب في استمرار الاتساق والاستتباب وهي فرض أوجبه الله تعالى‏.‏

فقال‏:‏ ‏"‏ أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ‏"‏ ولا تصح مملكة ولا تدوم دولة إلا بأمرين أحدهما عدل السلطان والآخر طاعة الرعية له فمتى ارتفع أحدهما فسد السائس والمسوس ولم تزل ملوك الأزمنة يقدمون إلى الرعايا لزوم الطاعة والاعتصام بحبل الشريعة والنهي عن مفارقة الجماعة‏.‏

قال‏:‏ والرسم فيها أن تفتتح بالحمد لله على النعم في تأليف قلوب أهل الدين وجمع كلمة الموحدين ورعاية أهوائهم إلى الاتفاق وصيانة عصاهم عن الانشقاق والصلاة على رسوله صلى الله عليه وسلم والتنبيه على فضائل الطاعة فإنها العروة الوثقى والمعقل الذي لا يرقى والحصن الحصين والكنف الأمين والحمى الأمنع والمرقب الأرفع وأن من حافظ هعليها فاز وسلم وربح وغنم ومن فارقها خسر وخاب ونكب عن سبيل الصواب وإيضاح ما في سبيل الطاعة من اتفاق الكلمة وانتظام شمل الأمة وشمول الخيرات وعموم البركات وعمارة البلاد وصلاح العباد وما في المشاققة من الفساد العام العائد بانتثار النظام وانبتات الحبل وتفرق الشمل واجتثاث الأصل وطموس الديار وصيال الأشرار وانقماع الأخيار وتوالي الفتن التي لا يصيب الظالم خاصة دون العادل ولا المشاقق دون الموافق وحلول النوائب المزيلة للنعم وإتباع ذلك بما يجب من إعذار وإنذار وترهيب وترغيب وتذكير وتبصير ووعظ وتخويف وبعث العلماء الحصفاء على ردع الجهلاء السخفاء وتنبيه أهل السلامة والصلاح على كف ذوي العيث والطلاح إلى نحو هذا مما يجاريه‏.‏

وأن يبالغ فيما يورده من هذه المعاني فإن هذه الكتب إذا كانت بليغة مستوفاة جيدة العبارة أخذت بمجامع القلوب وأغنت عن الكتائب في إدراك المطلوب‏.‏

وهذه المكاتبات في المعنى ذلك أوردها أبو الحسين بن سعد في ترسله وهي‏:‏ أما بعد فإن الله أفترض الطاعة وأوجبها وأمر بها ورغب فيها وجعلها عصمة في كل فتنة وضياء من كل شبهة وسلامة من كل هلكة وسبباً لظفر بخير الدنيا والآخرة من أراد الله به خيراً وفقه لها وألزمه المحافظة عليها والاعتصام بحبلها فتعجل عزها وشرفها وسعتها وأمنها واستحق السعادة في الدار الآخرة بها والمثوبة عليها‏.‏

آخر‏:‏ وقد علمتم ما جعل الله في الطاعة ولزومها والمحافظة عليها من العز والمنعة والأيد والفوز بخير الدنيا والآخرة وما في خلافها من صنوف وأنواع المتالف‏.‏

آخر‏:‏ وقد كانت الطاعة أنافت بك على كل ظليل وأفضت بك إلى لين مهاد عند إقضاض المضاجع وصفاء المشارب عند تكدر المناهل واتصال أمنة عند حدوث المخاوف حتى فعلت كذا وكذا‏.‏

آخر‏:‏ فلم يمرق من طاعته مارق ولا فارقها مفارق إلا صرع الله خده وأتعس جده آخر‏:‏ والطاعة في العروة الوثقى والطريقة المثلى والغنيمة لأهلها في الأخرى والأولى‏.‏

عبد الحميد‏:‏ فإن الفتنة تتشوف لأهلها بآنق منظر وأزين ملبس تجر لهم أذيالها وتعدهم تتابع لذاتها حتى ترمي بهم في حومات أمواجها مسلمة لهم تعدهم الكذب وتمنهم الخدع فإذا لزمهم عضاضها ونفر بهم شماسها وتخلت عنهم خاذلة لهم وتبرأت منهم معرضة قد لبسوا أجمل لباس دينهم واستنزلوا عن أحصن معاقل دنياهم من الغناء البهي منظره الجميل أثره حتى تطرحهم في فضائح أعمالهم والإيجاف في التعب وسوء المنقلب فمن آثر دينه على دنياه تمسك بطاعة ولاته وتحرز بالدخول في الجماعة تاركاً لأثقل الأمرين وأوبل الحالين‏.‏

ابن عبدكان في ذم الخلاف‏:‏ وإن كان فلاناً عبداً من عبيدنا اعتوره إنعامنا ونوه به إكرامنا وشرفه ولاؤنا وحسن عنده بلاؤنا وابتنينا له الأموال وأسنينا له الأعمال وأوطأنا عقبه الرجال فلم تقع النعم منع عند شاكر ولا الصنيعة عند محتمل فلما رفع الله بمكاننا حسيسته وبلغه من شرف الذكر ونباهة القدر وانبساط يده ما كانت ما كانت همته تعجز عنه وآماله تقصر دونه أضراه ذلك وأبطره وأطغاه وأكفره فاختال زاهياً واستكبر عالياً وغدر باغياً وشاق عاصياً وأوضع في الفتنة لنا حرباً ولأعدائنا حزباً ولمن انحرف عنا يداً ولمن مال إلينا ضداً من غير سبب أوجبه ولا أمر دعاه إليه فكان كما قال الله عز وجل في كتابه‏:‏ ‏"‏ كلا إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى ‏"‏ وكقوله‏:‏ ‏"‏ ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض ‏"‏ فلما ورده الخبر بما هيأ الله لنا من الرجوع إلى الفسطاط على الحال السارة لأوليائنا الغائطة لأعدائنا سقط في يده وفكر في غليظ جرمه وخيانته فأداه الخوف الذي استشعره والإشفاق الذي خامره إلى أن ركب عظيماً في الأمور وكاشف بالمعصية والغرور مكاتفاً أعداء وموالياً ذوي العداوة والنشارة ونرجو بحلول الله وقوته وإرادته ومشيئته وما لم يزل الله - تقدس اسمه - يجزيه عندنا من جميل عاداته فيمن سفه الحق وزاغ عن القصد أن يبسل هذه الخائن بخبائث أعماله ويسلمه لقبائح أفعاله وأن يصرعه بأسوأ مصارع أمثاله فإن أحداً لم يحمد النعمة إلا استدعى النقمة ولم يذع الشكر ويستعمل الكفر إلا كانت العثرة منه قريبة والبلايا محيطة قولاً لا يبدل رسمه ولا يحول‏.‏

من كتاب موسى بن عيسى‏:‏ أما بعد فإن امرأ لو خلص من فلتات الخطأ وخطوات الملأ بفضيلة رأي ولطافة بصر بالأمور كنت أحجى بذلك دون أهل زمانك للذي جرت لك عليه تصاريف التبع وتعرضت لك به وجوه العبر ولما استقبلت من موارد أمور نفسك وتعقبت من مصادر أمور غيرك ولكن الله إذا أراد أمراً جعل له من قضائه سبباً ومن مقاديره عللاً فمن مقادير علل البلاء تضييع المعرفة وإلغاء ما تفيده التجربة ومن أسباب السلامة الانتباه بالعبر والاستدلال بما كان على ما يكون‏.‏

وأنت امرؤ جرت لك وعليك أنحاء من النعم وأنحاء من الحجج عرفت بها ما لك وما عليك فإن تأخذ بها عرفت كيف تسلك كسالكه وإن تدع الأخذ بذلك تدعه على علم‏.‏

وقد رأيت الذي انقادت لك به النعمة ووهبت لك به العافية فيما ألهمك الله من طاعة ولاة أمورك والصبر لها على مواطن الحق التي رفع الله بها ذكرك وأحسن عليها عقباك وذخرك فلم تمض بك في طاعتهم رتبة إلا قربك الله بها من الخير عقبة ولا تبذل من نفسك نصحاً إلا أوجب لك به نحجاً ولم تفتأ تواتر ذلك من مناصحتك وحسن طاعتك حتى طلت بها على من طاولك وفضلت بها على فاضلك وجريت ممدوداً عنانك إلى قصوى غايات أملك فأصبحت قريع المسلمين بعد خليفة أمير المؤمنين وخيرته من خلفه بعد ذوي الفضل من أهل بيته حتى تمالك من رجالات العرب نظير في منزلة ولا نديد في حال ولا رتبة بل هم فيك رجلان‏:‏ إما راهب منك وإما راغب فيك‏.‏

قلت‏:‏ وهذا الصنف من المكاتبات السلطانية مستمر الكتابة إلى زماننا‏.‏

فلما زالت الملوك يكتبون إلى من يتخيلون منه خلع الطاعة من النواب ومن في معناهم ويحثونهم على لزوم الطاعة ويحذرونهم المخالفة والخروج عن الجماعة‏.‏

ومن ذلك ما كتب به الشيخ شهاب الدين محمود الحلبي إلى متملك سيس عند كسرة التتار بعد قيامه معهم في المصاف ومساعدته إياهم وهو‏:‏ بصره الله برشده وأراه مواقع غيه في الإصرار على مخالفته ونقض عهده وأسلاه بسلامة نفسه عمن روعته السيوف الإسلامية بفقده‏.‏

صدرت تعرفه أنه قد تحقق ما كان من أمر العدو الذي دلاه بغروره وحمله التمسك بخدعه على مجتنبة الصواب في أموره وأنهم استنجدوا في كل طائفة وأقدموا على البلاد الإسلامية بنفوس طامعة وقلوب خائفة وذلك بعد أن أقاموا على البلاد مدة يشترون المخادعة بالموادعة ويسرون المصارمة في المسالمة ويظهرون في الظاهر أموراً ويدبرون في الباطن أموراً ويعدون كل طائفة من أعداء الدين ويمنونهم وما يعدهم الشيطان إلا غروراً وكنا بمكرهم عالمين وعلى معاجلتهم عاملين وحين تبين مرادهم وتكمل احتشادهم استدرجناهم إلى مصارعهم واستجررناهم ليقربوا في القتل من مضاجعهم ويعبدوا في الهرب عن مواضعهم وصدمناهم بقوة الله صدمة لم يكن لهم من قبل وحملنا عليهم حملة ألجأهم طوفانها إلى ذلك الجبل وهل يعصم من أمر الله جبل فحصرناهم في ذلك الفضاء المتسع وضايقناهم كما رؤي ومزقناهم كما قد سمع أنزلناهم على حكم السيف الذي نهل من دمائهم حتى روي وأكل من لحومهم حتى شبع وتبعتهم جيوشنا المنصورة تتخطفهم رماحها وتتلقفهم صفاحها ويبددهم في الفوت رعبها ويفرقهم في القفار طعنها المتدارك وضربها ويقتل من فات السيوف منهم العطش والجوع ويخيل للحي منهم أن موضعه كالدنيا التي ليس للميت إليها الرجوع ولعله قد رأى من ذلك فوق ما وصف عياناً وتحقق من كل ما جرى ما لا يحتاج أن نزيده به علماً ولا نقيم عليه برهاناً‏.‏

وقد علم أن أمر هذا العدو المخذول ما زال معنا على هذه الوتيرة وأنهم ما أقدموا إلا نصرنا الله عليهم في مواطن كثيرة وما ساقتهم الأطماع في وقت ما إلا إلى حتوفهم ولا عاد منهم قط في وقعة آحاد تخبر عن مصرع ألوفهم ولقد أضاع الحزم من حيث لم يستدم نعمة الله عليه بطاعتنا التي كان في مهاد أمنها ووهاد يمنها وحماية عفوها وبرد رأفتها التي كدرها بالمخالفة بعد صفوها يصون رعاياه بالطاعة عن القتل والإسار ويحمي أهل ملته بالحذر عن الحركات التي ما نهضوا إليها إلا وجروا ذيول الخسار ولقد عرض نفسه وأصحابه لسيوفنا التي كان من سطوتها في أمان ووثق بما ضمن له التتار عناء كان عنه في عنى وأوقع روحه بمظافرة المغل في حومة السيوف التي تخطفت أولياءه من هنا ومن هنا واقتحم بنفسه موارد هلاك سلبت رداء الأمن عن منكبيه واغتر هو وقومه بما زين لهم الشيطان من غروره ‏"‏ فلما تراءت الفئتان نكص على عقبيه ‏"‏ وما هو والوقوف في هذه المواطن التي تتزلزل فيها أقدام الملوك الأكاسرة وأنى لضعاف النقاد قدرة على الثبات لوثوب الأسود الضارية والليوث الأكاسرة لقد اعترض بين السهم والهدف بنجره وتعرض للوقوف بين ناب الأسد وظفره وهو يعلم أننا مع ذلك نرعى له حقوق طاعة أسلافه التي ماتوا عليها ونحفظ له خدمة آبائه التي بذلوا نفوسهم ونفائسهم في التوصل إليها ونجريه وأهل بلاده مجرى أهل ذمتنا الذين لا نؤيسهم من عفونا ما استقاموا ونسلك فيهم حكم من أطراف البلاد من رعايانا الذين هم في قبضتنا نزحوا أو أقاموا ونحن نتحقق أنه ما بقي ينسى ملازمة ربقة الحتف خناقه ولا يرجع إلى الموت من ذاقه فيستدرك باب الإنابة قيل أن يغلق دونه ويصون نفسه وأهله قبل أن تبتذل السيوف الإسلامية مصونه ويبادر إلى الطاعة قبل أن يبذلها فلا يقبل ويستملك بأذيال العفو قبل أن ترفع دونه فلا تسبل ويعجل بحمل أموال القطيعة وإلا كان أهله وأولاده في الجملة ما يحمل منها إلينا ويسلم مفاتح ما عدا عليه من فتوحنا وإلا غهو يعلم أنها وجميع ما تأخر من بلاده بين يدينا ويكون هو السبب في تمزق شمله وتفرق أهله وقلع بيته من أصله وهدم كنائسه وابتذال نفسه ونفائسه واستراق حرمه واستخدام أولاده قبل خدمه واستقلاع قلاعه وإحراق ربوعه ورباعه وتعجيل رؤية ما وعد به قبل سماعه ومن لغازان أن يحاب إلى مثل ذلك أو يسمح له مع الأمن من سيوفنا ببعض ما في يده من الممالك لينفع بما أبقت جيوشنا المؤيدة في يده من الخيل والخول ويعيش في الأمن ببعض ما نسمح له به ومن للعور بالحول والسيوف الآن مصغية إلى جوابه لتكف إن أبصر سبيل الرشاد أو تتعوض برؤوس حماته وكماته عن الإغماد إن أصر على العناد والخير يكون إن شاء الله تعالى‏.‏